Page 21 - stis25
P. 21
التدجين
يتناول هذا المقال موضوع التدجين بمعناه الأصلي؛ ولا يقصد به -بأي وجه من الوجوه -تدجين الأنظمة ،أو الحكومات ،أو
المؤسسات الرسمية ،أو وسائل الإعلام ،أو أصحاب الأقلام ،وما إلى ذلك.
بعريف التدجين
يعرف التدجين (أو الاستئناس) بأنه عملية تحويل النباتات والحيوانات البرية إلى كائنات مستأنسة لتلبية الاحتياجات البشرية.
ويدعي الإنسان أنه هو من عمد إلى تكييف تلك النباتات والحيوانات لتصبح قادرة على العيش في بيئته ،وخاضعة لإ اردته ،وملبية
لاحتياجاته.
ولكن عند النظر إلى الموضوع من جهة الطرف الآخر ،ماذا ستكون النتيجة؟
المدجن والمدجن
لنأخذ القمح مثالاً واقعياً عن عملية التدجين ،ونسأل:
هل دجن البشر القم َح أو دجن البشَر القمح؟
ربما لم يخطر هذا السؤال في بال أحد ،فضلاً أن يبحث له عن جواب .وقد يبدو الجواب بديهياً وليس في حاجة إلى تفكير ،لكن
لو نظر المرء إلى الموضوع من ازوية القمح لبدا المشهد مختلفاً تماماً.
كان القمح عشباً برياً يعيش حياة قاسية كي يتمكن من البقاء على قيد الحياة ،ويعاني في سبيل
ذلك معاناةً شديدًة؛ تتمثل في طرح بذوره في مكان ملائم ،وحمايتها من آكليها ومن العوامل
الجوية على حد سواء ،إضافة إلى توفر الظروف البيئية الملائمة لها حتى تنمو ،وتكبر ،وتنضج.
ولكن هذا المشهد انقلب أرساً على عقب حين التقى الإنسان؛ إذ استطاع تسخيره لمصلحته،
وجعله يقوم على خدمته على النحو الأمثل.
لم يعد القمح قلقا بشأن بقائه واستم ارره على الإطلاق ،لأن الإنسان صار يقوم
بالأعمال التي يحتاج إليها كلها من دون استثناء .ولم يعد يخشى شيئاً ،وبات
ينام قرير العين معتمدا على خدامه من بني البشر ،الذين يسهرون على ارحته،
ولا يريدون إلا سلامته .ولا أدل على ذلك من الوقت الطويل الذي يقضيه
الم ازرعون عموماً ،والباحثون خصوصاً ،في سبيل معرفة أفضل الظروف
الملائمة للقمح ،والبحث في وسائل تحسين سلالاته وإنتاج سلالات جديدة ،مع
العمل على وقايته من الأم ارض ،ومعالجة الآفات التي قد تصيبه ،وتوفير
متطلباته واحتياجاته كلها على أحسن وجه.

